خاص أيوب


الأزمة الرئاسية اللبنانية ومفتاح الحلّ السعودي

الثلاثاء 30 نيسان 2024 - 14:43

كتب (د. حبيب البدوي)

يجد لبنان نفسه غارقاً في أزمة رئاسية معقدة. هذه العقدة المستعصية حدّت من الجهود المتضافرة التي تبذلها الجهات الفاعلة الداخلية والخارجية لفكّ تشابكها المحلي مع التعقيدات الإقليمية. وبينما يستعد السفراء المؤثرون في اللجنة الخماسية، الذين يمثّلون واشنطن وباريس والرياض والدوحة والقاهرة، للاجتماع مرة أخرى مع دولة الرئيس نبيه بري، تظلّ احتمالات تحقيق انفراج رئاسي محاطة بحجاب عدم اليقين الغامض.

تحت المشهد الهش للمجاملات الدبلوماسية تكمن حقيقة قاسية، فلقد طغت على جوهر هذه الاجتماعات المواقف العنيدة للتيارات السياسية المستقطبة في لبنان. لا يزال الثنائي الشيعي المتمثّل بحركة أمل وحزب الله ملتزماً بحزم بتأييده لترشيح سليمان فرنجية، وهو المرشح الصديق لآل الأسد في سوريا، مدفوعاً بالدعم الثابت من 27 نائباً شيعياً ملتزمين بسياسات ما يدعى بمحور الممانعة. فيما لا يزال المتنافران المسيحيان جبران باسيل وسمير جعجع، يعارضان بشدة أيّ جلسة يمكن أن تمهّد الطريق لصعود فرنجية إلى الرئاسة، وهو موقف متجذّر في الانقسامات الإيديولوجية العميقة الجذور التي مزّقت المشهد السياسي في الأوساط المارونية، والمترافقة بالطبع مع الانقسام السياسي العام في لبنان. بينما القطب السني غائب عن التأثير المباشر في التوازن الداخلي الدقيق.

على هذه الخلفية من التعنت والضياع، أصبح الدور المحوري لسعادة سفير المملكة العربية السعودية وليد بخاري، في هذه المنازلة الجيوسياسية المعقّدة محلياُ واقليمياُ ودولياً، موضع اهتمام من عواصم القرار، بخاصة مع الحديث عن وعكة صحية بسيطة ألمت به. فقد أثار غياب سعادة السفير عن الاجتماع مع المرشح الأبرز لقوى الثامن من آذار تكهنات حول حق النقض المزعوم الذي استخدمته الرياض ضد ترشيح زعيم المردة. ومع ذلك، تؤكد مصادر مقربة من الرئيس فرنجية أنه خلال زيارة قام بها مؤخراً، رفض مضيفه السعودي بشكل لا لبس فيه وجود مثل هذا الفيتو، مردّداً الموقف الأميركي الثابت بعدم معارضة أيّ مرشح إذا تمّ اختياره محلياً من خلال التوافق والحوار الوطني.

يتماشى هذا الموقف المبدئي مع السعي إلى "خيار ثالث" – عبر مرشح يُنظر إليه على أنه محايد وقادر على سدّ الهوة العميقة بين التحالفات المتعارضة، والحدّ من الاستقطاب الحزبي الذي شلّ المشهد السياسي في البلاد. ومع ذلك، فإن لغة المواجهة الحادة وشبح الصراعات الإقليمية المشؤوم، ولا سيما التوترات المتأجّجة بين إيران وإسرائيل، لا تزال تلقي بظلالها على أيّ احتمالات للتوصّل إلى حلّ وسطي وتقارب منتظر.

وفي خضمّ هذا المأزق، يظهر بصيص أمل من "كتلة الاعتدال" من النواب، الذين يستكشفون بجدّ مقترحات منقّحة لتسهيل الحوار بين القوى السياسية، فيما تهدف جهودهم إلى الالتفاف على الجمود المحيط بآلية الحوار المحلية، وسلة الترشيحات الاقليمية، والترابط بين الانتخابات الرئاسية اللبنانية والوضع المتفجر في الجبهة الغزية، والتي لا تزال تشكّل عمق الأزمة المستعصية في الشرق الأوسط.

لقد نجحت دبلوماسية السفير المصري الهادئة في الحفاظ على "الطبخة الرئاسية" تغلي على نار هادئة، على الرغم من غياب المكوّنات الرئيسية اللازمة للتوصل إلى حلّ يرضي الداخل ويحظى بموافقة الخارج. وهذا كله يؤكد على التوازن الدقيق المطلوب للإبحار في المياه الغادرة للسياسة اللبنانية، حيث غالباً ما تلقي الشكليات بظلالها على الجوهر ويكون التقدّم بعيد المنال.

ومع استمرار هذا الجمود الذي طال أمده، لا يمكن المبالغة في الدور المحوري للسفير بخاري. فمع موقف المملكة العربية السعودية المؤثر وقدرتها على التأثير في ديناميكيات هذه الأزمة، فإن جهود السفير المثابرة والتزامه بنهج قائم على الإجماع، يمكن أن يكونا مفيدين في حلّ الجمود. ومن هنا يكمن الطريق إلى الأمام في قدرة جميع أصحاب المصلحة على تجاوز المواقف المتشنجة وتبنّي روح التوافق، في خشية حقيقية من أن يظلّ لبنان عالقاً في متاهة الشلل الرئاسي إلى أجل غير مسمى.

إنّ تبنّي النهج التوافقي، الذي يتجنّب استخدام حق النقض، ويعطي الأولوية للحوار الوطني وبناء توافق الآراء، يمثّل مساراً قابلاً للتطبيق لحلّ هذه الأزمة التي طال أمدها. ومن خلال تعزيز بيئة من التفاهم اللبناني المتبادل، يمكن للجهود الدولية أن تحقّق انفراجاً رئاسياً مرتقباً عبر تمهيد الطريق لانتخاب رئيس يمكنه توحيد أطياف الشعب اللبناني وسط التسونامي الحربي الذي يسود المنطقة.

في ساعة الأزمة هذه، يتأرجح مصير لبنان في الميزان بشكل محفوف بالمخاطر بين هاوية الجمود الدائم والوعد بمستقبل متناغم. في هذه البوتقة تكتسب الدبلوماسية السعودية أهمية عميقة، ونبراساً هادياً وسط التيارات المضطربة للتوترات الإقليمية والانقسامات الداخلية. ومن خلال الالتزام الثابت بالحوار، والشمولية، ورفض حق النقض المستقطب، يمكن أن تثبت جهود الجهود الدولية على أنها المفتاح المراوغ الذي يفتح المأزق الرئاسي في لبنان، ويبشّر بعهد جديد من الوحدة والاستقرار والازدهار لأمة تحملت الكثير من الاضطرابات لفترة طويلة جداً.



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة