Ayoub News

خاص أيوب


اعتذار الحريري والقراءات الخاطئة

الجمعه 16 تموز 2021 - 0:18

كتب (هشام عليوان)

كشف الرئيس سعد الحريري في حواره السجالي مع الإعلامية مريم البسام مديرة الأخبار والبرامج السياسية في تلفزيون الجديد أمس الخميس عن المعالم الرئيسية لمسار العودة لاحقاً، إلى موقعه المركزي في الحياة السياسية، عقب اعتذاره عن تشكيل الحكومة. قال بثقة لافتة إنه "قادر على تثبيت سعر الليرة، وعلى إصلاح قطاع الكهرباء، وعلى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وكذلك على ربح الانتخابات النيابية العام المقبل". لكنه اعتذر متأخراً جداً، بعد تسعة أشهر تقريباً من تكليفه، في خضم مضطرم من الانهيارات المتتالية لبنيان الدولة والمجتمع. فما الذي تغيّر خلال تلك الأشهر؟ بل ما الذي تغيّر منذ استقالته أواخر تشرين الأول عام 2019؟ لقد كان واضحاً أن التسوية الرئاسية قد انتهت فعلياً، وأن صداقته بجبران باسيل قد اهتزت إلى غير رجعة، فعلى ماذا كان يعوّل لتشكيل حكومة مستقلة عن الأحزاب، وعن التيار الوطني الحر بشكل خاص؟

يتبين من متابعة المسار المتعرج للحريري في العامين المنصرمين، أنه قرأ ثورة تشرين على أنها فرصة للانفكاك عن التسوية وعن ارتباطه اللصيق بجبران باسيل الذي يعتبر نفسه المرشح الطبيعي أيضاً لرئاسة الجمهورية، كحال عمه الرئيس ميشال عون. وبوصفه هو نفسه المرشح الطبيعي لرئاسة الحكومة، لم يسهّل مهمة أي شخصية بديلة. فوُلدت حكومة حسان دياب ميتة، وفشلت في إنجاز شيء، وحتى في تصريف الأعمال اليومية. وجاء انفجار المرفأ في 4 آب عام 2020، وهرولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان، وطرحه المبادرة الإنقاذية ومن ضمنها تشكيل حكومة مستقلة ذات مهمة وحيدة هي إنقاذ الاقتصاد، فقرأ فيها الحريري فرصة أخرى، لتشكيل الحكومة بنفسه دون السفير مصطفى أديب، لا سيما وأن ماكرون غازل حزب الله واعتبره حزباً سياسياً منتخباً ولا يمكن إغفاله. فراهن الحريري على اجتذاب الثنائي الشيعي نحوه لإخراج باسيل من اللعبة الحكومية. وجاءت العقوبات الأميركية على باسيل لتعزّز آماله. ثم راهن الحريري على الموقف السعودي الإيجابي نحو لبنان لدعم حكومته المرتقبة، لكنه اصطدم ببرودة الرياض، واستنكافها عن الشأن اللبناني لأسباب معروفة. وأخيراً راهن على الرئيس نبيه بري، للضغط على الرئيس عون المتصلّب في مواقفه بشأن كيفية التشكيل وآلياته وحصص الطوائف، وحصة رئيس الجمهورية على نحوٍ خاص.

فأين أخطأ الرئيس الحريري في كل هذه المحطات؟

- قد تكون التسوية الرئاسية ممره الإلزامي إلى رئاسة الحكومة عام 2016، لكنه بالغ في تقديره لقدرة العهد على التأثير في حزب الله، كما بالغ في قدرته سابقاً على إبعاد ميشال عون عن الحزب.

- قد تكون ثورة تشرين لحظة فريدة في التاريخ اللبناني المعاصر، لكنه بالغ في تقدير القوة التغييرية لحركة شعبية متنوعة ومتعددة الآراء والتوجهات، وسرعان ما سقطت تلك الحركة في فخ التناقضات والتداخلات والاختراقات. وعليه، بنى آمالاً على رمال متحركة.

- قد يكون حزب الله تمسّك في مرحلة التسوية الرئاسية بالرئيس سعد الحريري، وحتى بعد استقالته عام 2019، لكنه بالغ في تقدير موقعه بنظر الحزب مقارنة بموقع جبران باسيل الذي يبدو حتى الآن على أنه المرشّح المفضّل للانتخابات الرئاسية. فكان تنافس بين الحريري وباسيل في الآونة الأخيرة على خطب ودّ حزب الله ضدّ غريمه، فظهر أخيراً أن الحريري عاجز عن استمالته ضد باسيل.

- قد تكون المملكة العربية السعودية الراعية الطبيعية لسعد الحريري، كما كانت بالنسبة للرئيس رفيق الحريري من قبل. لكنه بالغ في رهانه على المملكة كي تلتزم مجدداً بتحمّل أخطاء السياسات اللبنانية العامة في كل المجالات، دون ظهور أي مؤشر على النية الصادقة لدى المنظومة الحاكمة على تغيير تصرفاتها.

هذه القراءات كما الرهانات الخاطئة أوصلت سعد الحريري إلى حافة النهاية السياسية في سرعة قياسية. أما رهانه الأخير على ربح الانتخابات النيابية بناء على كيفية تعامله الصلب مع الرئيس عون، وعلى كيفية إخراجه لعملية الاعتذار، بعد تقديمه تشكيلة حكومية غير مقبولة، وإعطاء رئيس الجمهورية مهلة محددة كي يقبلها دون أي تعديل، فهو قراءة خاطئة أخرى لمزاج الناس الذين باتوا يهتمون أساساً بالنجاة من الفقر المدقع، بل من المجاعة.



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط



البحث عن «دو كليرك»

سمير عطا الله

السعودية دولة أفعال

مشعل السديري

رأي في عقول معاصرة!

محمد الرميحي