الأربعاء 17 أيار 2023 - 12:57
كتب (د. حبيب البدوي)
فقدت بيروت والمجتمع العلمي اللبناني والدوائر الأكاديمية العربية المؤرخ العلامة البروفسور حسان حلاق، الذي كرّس حياته لإعادة كتابة التاريخ وتصحيح المفاهيم الخاطئة حول العثمانيين، وتاريخ بيروت، ولبنان، وفلسطين في مهمة علمية نبيلة لدحض السرديات المناطقية الضحلة السائدة في الدراسات التاريخية.
ولد الدكتور حسان حلاق في منطقة الطريق الجديدة ببيروت عام 1946، ومنذ صغره برزت موهبته وشغفه بالتاريخ. حصل على شهادة الدبلوم العالي في الدراسات الإسلامية، ثم حصد شهادة الماجستير في التاريخ العام عام 1977، وأكمل دراسته بالحصول على درجة الدكتوراه من جامعة الإسكندرية في عام 1981.
لقد استطاع حسان حلاق، عبر مسيرته العلمية المضيئة، تصحيح العديد من الجوانب المهمة في التاريخ العثماني المستهدف من فئة "المتفرجنين". كما قام بجهود استثنائية في استخراج وتحقيق ونشر سجلات المحكمة الشرعية في بيروت، واعتمد على هذه السجلات في كتابة العديد من الكتب والدراسات القيمة، حيث تحتوي مجموعته الوثائقية على ما يقرب من 100 ألف وثيقة غير منشورة، ساهمت بشكل كبير في إعادة كتابة تاريخ ولاية بيروت العثمانية، وكما علمنا أستاذنا الكبير، أنشئت عام 1888 لتضم المنطقة الساحلية من سورياالممتدة من اللاذقيةحتى شمال يافا. تحد هذه الولاية من الشرق ولايتا حلبودمشق.ضمت هذه الولاية عند إنشائها متصرفية جبل لبنانإضافة إلى خمسة سناجقفصلت عن ولاية دمشقهي:
1- سنجق بيروت
2- سنجق طرابلس الشام
3- سنجق عكا
4- سنجق اللاذقية
5- سنجق نابلس
من أهم إسهامات المؤرخ حسان حلاق وضع مشروع "وثيقة بيروت" في مؤتمر عقد في 21- 22 آذار 1996، حيث تم توثيق التاريخ البيروتي والثقافة البيروتية والتراث البيروتي في كتبه ومقالاته وفي الصحف والدوريات والإذاعات وحتى على مواقع التواصل الاجتماعي. ولقد اعتمد العديد من المستشرقين والباحثين الأجانب على مؤلفاته ودراساته في فهم تاريخ المنطقة.وهو الذي تشهد سيرته العطرة بأنه كان أستاذ التاريخ في الجامعة اللبنانية وجامعة بيروت العربية، نائب رئيس مجلس أمناء وقف البر والإحسان، نائب رئيس المركز الإسلامي للتربية، عضو لجنة ترقية الأساتذة في الجامعات والمؤسسات العربية، عضو لجنة تحكيم البحوث والدراسات في الجامعات والمؤسسات العربية، الرئيس السابق لجمعية متخرجي جامعة بيروت العربية، عضو سابق في المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، عضو المجلس الأعلى السابق لجامعة بيروت العربية.
تتميز مؤلفات حسان حلاق بأنها غنية ومتنوعة، ومن بين أبرز أعماله "دور اليهود والقوى الدولية في خلع السلطان عبد الحميد الثاني عن العرش 1908–1909"، و"تعريب النقود والدواوين في العصر الأموي"، و"دراسات في تاريخ لبنان المعاصر 1913–1952"، و"بيروت المحروسة في العهد العثماني"، و"تاريخ الشعوب الإسلامية"، و"موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية، 1978". هذه المؤلفات تعكس اهتمامه العميق بتاريخ المنطقة والشعوب الإسلامية، وقد أسهمت في إثراء المعرفة التاريخية وتصحيح الأفكار الخاطئة السابقة التي نشرها الانتداب والمتشدقون باستعماره الثقافي.
صباح الإثنين خسرت بيروت ولبنان والعالم العربي شخصية أكاديمية فذة، فقد عمل مؤرخنا بجد وعزيمة لنشر المعرفة العلمية والوعي التاريخي. إن إرثه الأكاديمي سيظل حجر الزاوية في فهمنا للتاريخ العثماني، وتاريخ بيروت، ولبنان، وفلسطين. لقد ألهم وأثرى العديد من الباحثين والمهتمين بالتاريخ، بالطليعة نحن طلابه في الجامعة اللبنانية وجامعة بيروت العربية، وستظل مؤلفاته ودراساته مرجعًا هامًا للأجيال القادمة في رحلة استكشاف التاريخ وفهمه بشكل أفضل. الجميع يشعر بحزن عميق لرحيله، ولكننا نحتفظ بذكراه وإرثه العظيم بكل امتنان واحترام.
أتقدم من عائلة الفقيد ومن مجلس أمناء وقف البر والإحسان وجامعة بيروت العربية والجامعة اللبنانية وجمعية المقاصد وجميع الهيئات والمؤسسات التي واكبها ومن جميع أصدقائه ومحبيه بأحر التعازي سائلًا المولى تعالى أن يسكنه فسيح جناته.
جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط