Ayoub News

خاص أيوب


حسان حلاق: عاشق بيروت لا يبارحها

الأربعاء 17 أيار 2023 - 0:26

كتب (هشام عليوان)

عاش الدكتور حسان حلاق التاريخ بكل أحاسيسه، فلم يبق خارجه ينظر إليه عن بُعد. ولم يبدأ مسيرته كمؤرخ لبيروت حصراً؛ لكنه سيصبح من مؤرخيها المعدودين والمميزين في مجاله الذي اختاره، والمنهج الذي اتبعه. رسالة الماجستير في التاريخ التي نال عليها درجة ممتاز، وكانت أول ماجستير تمنحها جامعة بيروت العربية عام 1977، هي بعنوان: "موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية من العام 1897 حتى العام 1909". وفي فصلها الخامس عنوان لافت هو: "دور اليهود في خلع السلطان عبد الحميد الثاني"، والذي سيُنشر لاحقاً ككتاب مستقل لأهميته. هذه الرسالة كانت المعلم الأساس لمنهج وأسلوب سيطبعان حسان حلاق الباحث والمؤرخ والمدرّس: إنه الشغف بالوثائق غير المنشورة من قبل، وبذل الجهد بحثاً عنها أينما كانت. حتى إن المؤرخ الحقيقي عنده هو من يبحث عن المخطوطات والوثائق لا سيما إن كانت غير منشورة، ومن ينقب عن المعلومات المطمورة في غبار الزمان. لم يحقق مخطوطات تاريخية، لكن استعملها بكثرة. أما أطروحة الدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر، والتي نال عليها مرتبة الشرف الأولى في جامعة الاسكندرية عام 1981، فكانت بعنوان: "التيارات السياسية في لبنان 1943-1952". هي تكشف خفايا تكوّن لبنان عام 1920، وخبايا التيارات السياسية، ودفائن الشخصيات العامة. وغرضها كما رسالة الماجستير من قبل، تصحيح اتجاهات، وتصويب تفسيرات، استناداً إلى معلومات، مستقاة من وثائق ومخطوطات. هذه الدراسة تفرّعت منها سلسلة من الكتب كما الرسائل الصغيرة الحجم تحت عنوان عريض "دراسات لبنانية وعربية"، من الأمثلة على النوع الأول: موقف لبنان من القضية الفلسطينية 1918-1952، ودراسات في تاريخ لبنان المعاصر 1913-1952، مؤتمر الساحل والأقضية الأربعة. أما الأمثلة على النوع الثاني، وهو ذو طابع سجالي لأنه يتناول الحاضر المعيش برؤية تاريخية: لبنان من الفينيقية إلى العروبة، أية ثقافة أية سياسة للتعايش في لبنان؟، الجذور التاريخية للميثاق الوطني اللبناني والاتجاهات الوحدوية والانفصالية في لبنان، الأبعاد الطائفية والسياسية في مواقع الحكم والسلطة في لبنان.

ستبدأ مرحلة مختلفة من الاهتمام والتأليف، وهي تستند أيضاً إلى وثائق، وليست سوى سجلات المحكمة الشرعية، التي هي مصادر غير مباشرة لتأريخ بيروت وعائلاتها، فكان كتاب "أوقاف المسلمين في بيروت في العهد العثماني – سجلات المحكمة الشرعية"، و"التاريخ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في بيروت والولايات العثمانية – سجلات المحكمة الشرعية". ثم كتاب "بيروت المحروسة في العهد العثماني"، وفي زمن لاحق "الأوضاع الشرعية والقانونية لأوقاف المسلمين والمسيحيين في لبنان في العهد العثماني وثائق تنشر للمرة الأولى" وغيره. وبشكل موازٍ ومتتابع، ستظهر مجموعة أخرى من الأعمال التي تؤرخ شخصيات بيروتية، فكرية واجتماعية، ودائماً بالاستناد إلى وثائق الشخصية ذات العلاقة وأوراقها الخاصة، فنشر كتاب "المؤرخ العلامة محمد جميل بيهم 1887- 1978"، وقدّم له المؤرخ الدكتور عمر فروخ. وكتاب "مذكرات سليم علي سلام 1868-1938"، و"العلامة الدكتور عمر فروخ 1906-1987"، و"عمر حوري 1912-1994"، و"الحاج جميل رواس 1888-1976 رجل البر والإحسان والخير والعطاء"، و"الدكتورة زاهية قدورة 1920-2002" (كرّاس)، و"الرئيس الشهيد رفيق الحريري 1944-2005 سيرة قائد ومسيرة أمة". وأرّخ جمعيات ومؤسسات؛ "جامعة بيروت العربية 1960-2000"، "جمعية البر والإحسان 1936-2002" (كرّاس)، "دار العجزة الإسلامية في بيروت 1954-2004"، "بلدية بيروت المحروسة 1843-1943".

والنقلة النوعية كانت بتأريخ العائلات البيروتية، فكانت "موسوعة العائلات البيروتية" في ثماني مجلدات، وقد جمع فيها روايات تؤصل أنساب عائلات بيروت، من دون القدرة على الترجيح والجزم، في انتساب عائلة إلى شجرة ما في المغرب أو المشرق أو الجزيرة العربية، لكن هذا العمل زاد من شهرة حسان حلاق وسط عامة الناس. فالكل يهتم بنسبه وأصله. وبهذا دخل حسان حلاق إلى كل بيت، فترسخت مكانته بين العامة والخاصة، مؤرخاً لبيروت المحروسة، وهي العبارة التي يرجع إليه الفضل في تعميمها.

قسم آخر لا يقل حجماً ولا أهمية من مؤلفاته الكثيرة التي تربو على الستين، هي الكتب الأكاديمية، والتي كانت قيد التحصيل في الجامعات، في المنهج: "مناهج الفكر والبحث التاريخي والعلوم المساعدة وتحقيق المخطوطات"، و"مناهج تحقيق التراث والمخطوطات العربية"، و"طرائق ومناهج التدريس والعلوم المساعدة وخصائص المدرس الناجح". وفي المواضيع الحضارية، "دراسات في الحضارة الإسلامية"، و"تاريخ العلوم والتكنولوجيا"، و"ملامح من تاريخ الحضارات"، و"تعريب النقود والدواوين في العصر الأموي"، و"العلاقات الحضارية بين الشرق والغرب في العصور الوسطى"، وسوى ذلك من كتب انفرد بها أو شارك فيها غيره من زملائه.

ما يمكن القول بخلاصة موجزة، إن حسان حلاق، كان غزير الإنتاج، متنوع الاهتمامات. شقّ طريقاً لم يسلكه أحد من قبله، وهو كشف موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية، الموضوع الذي لم يزل قيد التناول، درامياً في السنوات الأخيرة، بتركيا نفسها، وكان مؤرخنا سباقاً في طرق الموضوع. كما أن إنجازه الرئيسي الثاني فكان الاعتماد على سجلات المحكمة الشرعية لاستخراج المعلومات منها. وما قام به من توثيق لسِيَر شخصيات بيروتية مؤثرة، انفرد به، وتفرّد به، فكان له طابع خاص، وعلامة تميّز.. لقد كان على ثغر من ثغور بيروت، حارساً لتراثها، ورائداً من علمائها المشهود لهم.    



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط



درس السودان

طارق الحميد

سباق مع الزمن

مشعل السديري

ثروتي اللولارية

سمير عطا الله