خاص أيوب


تشرين الثاني 1248: ذكرى سقوط إشبيلية .. التاريخ لن يتكرّر

الاثنين 13 تشرين الثاني 2023 - 19:46

كتب (أ. د. حبيب البدوي)

"تِكشبِيلة تِوليولة…ما قتلوني ما حياوني…داك الكاس اللي عطاوني…الحرامي ما يموتشي…جات خبارو في الكوتشي…"

في البداية ونقلاً عن "مدونة صلة الرحم بالأندلس"، السؤال هو: من في البلاد المغاربية لم ينشد هذه الأغنية في طفولته؟  لكن هل نعلم معنىكلماتها والقصة المنسية التي تنطوي عليها؟

وفقاً للباحث هشام زليم، ذكر الأستاذ حمزة الكتاني، نجل العلامة علي المنتصر الكتاني صاحب كتاب "انبعاث الإسلام في الأندلس"، في منتدى "الأندلس" في عام 2008 معاني كلمات هذه المقطوعة الشعبية:

"هذه من أغاني الموريسكيين والأندلسيين المهاجرين من أرضهم، يصفون فيها مأساتهم ومعاناتهم في الطريق".

والعجيب، أن الأطفال المغاربة، خصوصاً الموريسكيي الأصل، يغنونها وهم يرقصون ويد الواحد مع يد الآخر، وهما متقابلان…"

ومعاني ألفاظها هي: طريق إشبيلية، سوف يرجعون إليها (أي أهلها المهجرين المسلمين)، ما قتلوني وما أحيوني (يعني القشتاليون وحلفاؤهم)، فمن كثرة العذاب، فلا أنا بالحي ولا أنا بالميت من كأس الويل التي تجرعتها. ابن الحرام هذا (يعني القشتالي) لا يموت (بمعنى لا ينهزم)، وقد جاءت أخبار هجومه في الكوتشي، والكوتشي هي وسيلة نقل معتمدة على حصان صغير يجر عربة، ونفس اللفظ يطلق على السيارة في إسبانيا حالياً، وعبرها كانت تنقل الأخبار والبريد بين الأمصار.

في "تِك شبيلة" أي "طريق إشبيلية"، غناها المورسكيون الذين هاجروا إلى المغرب آنذاك، والذين قد غلبت على لسانهم العجمة فكانوا ينطقون القاف كافا."توليولها"، هنا الضمير عائد إلى الأندلسيين، وهنا يصبح المعنى" تكشبيلةتولِّيو لها" هو "طريق إشبيلية ستعودون لها"، وهذا تعبير عن حنين الأندلسيين إلى العودة إلى أرضهم بإشبيلية.

"ما قتلوني ما حياوني…ذاك الكاس اللي عطاوني"أثناء تهجير المورسكيين من الأندلس، كان القشتاليون وحلفاؤهم يجبرونهم على شرب الخمر حتى يسمحوا لهم بالمرور، زيادة في احتقارهم وإذلالهم. وبذلك فهم بهذا ليسوا أمواتاً وليسوا أحياء من شدة الذل.

ونعود لقصة سقوط إشبيلية في تشرين الثاني 1248 بيد القشتاليين وقوات الأرغون (نفس اسم العصابة الصهيونية)، وكذلك أمير غرناطة ابن الأحمر! على رأس 500 فارس (دربهم جنرال كيث دايتون ذاك العصر).

استمر الحصار حول إشبيلية 16 شهراً، وأخذ يشتد يوماً بعد يوم، والمسلمون المحاصرون يعانون ألم الجوع، ومتاعب الحصار. ولم تفلح محاولات العلماء في بثّ الروح وإعادة الثقة إلى النفوس الواهنة والأبدان الناحلة التي هدّها الجوع وعضَّها الحرمان، وأنهكها القتال المستمر طوال خمسة عشر شهراً، دون أن تأخذ قسطاً من الراحة.

وكما اليوم، لم تتحرك الحواضر الإسلامية لنجدة إشبيلية؛ فالدولة الموحِّدية مشغولة بمحاربة بقايا بني مرين، والدولة الحفصية تراسل تاج قشتالة، ودولة بني الأحمر الأندلسية، يشترك أميرها في حصار إخوانه المسلمين بشرطته الباسلة، لكل هذا غاضت الآمال في النفوس، وامتلك اليأس القلوب، وفقدت إشبيلية أي بارقة للإنجاد تخرجها مما هي فيه من ضيق وشدة.

فسقطت إشبيلية ... ولم يعد أهلها النصف مليون إليها أبداً ...

أما غزة العزة، فحسبهم الحديث الشريف: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك"، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس".

وإن شاء الله العودة قريبة إلى شمال غزة ... وإلى القدس الشريف في سنة 2027، أو ما بعد بعدها.

 



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة