Ayoub News

خاص أيوب


لبنان: "أزمة نظام" أم "أزمة حكم"؟!

الأحد 3 أيار 2020 - 10:37

كتب (عامر جلول)

في عام ١٩١٨, سقطت الدولة العثمانية، المعروفة آنذاك بالرجل المريض، وقُسّمت التركة التي ضمّت مدناً حضارية، فدخل الإنكليز والفرنسيون إلى الشرق الأوسط,  فبدأوا بتطبيق مقولة نابليون: (فرّق تسد)، وقد قامت التفرقة على مبدأ تحويل المنطقة إلى صفيح بركان قابل للانفجار، اعتماداً على التركيبة الديمغرافية الطائفية والإثنية، مما مهد لتطبيق وعد بلفور، بإقامة دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات. كانت تلك الخطة هي المرحلة الأولى من المشروع الأكبر: تقسيم المنطقة إلى دويلات، وتحدث عن ذلك المشروع برنارد لويس وكونداليزا رايس فيما يعرف بمشروع الشرق الأوسط الجديد.

ما يحصل في لبنان اليوم، يعدّ استكمالاً للخطة، ومشاهد سقوط وتهاوي كلّ من العراق وسوريا واليمن ولبنان، وما رافق ذلك من تردٍّ على المستويات المالية والسياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى التفريغ الديمغرافي.

نظام لبنان الطائفي!
بعد دخول فرنسا إلى لبنان وسوريا, قامت بتمكين الأقليات، وأعطوها مراكز القوة في الدولة و خارجها، من خلال وكالات للشركات العالمية, وأعادوا تركيبة الدولة على أسس نظام معقد، وفيما يظن الكثيرون أن تاريخ فساد لبنان يبدأ من عام١٩٩٠ ، إلا أن الواقع يؤكد ولادة الفساد مع ولادة لبنان الحديث، لأن النظام القائم هو نظام فائق التعقيد، وفساد نظامه أتاح وصول حكامٍ فاسدين، على اعتبار أن توزيع المناصب يكون بناء على طائفة الفرد وليس على مؤهلاته، مما يساهم في سقوط الدولة والمجتمع السياسي عامودياً، ويزيد الهوة الفكرية بين أبناء المجتمع الواحد، بتقسيم المقسم، وتجزئة المجزّأ، ليتكوّن ١٨ مجتمعاً غير متجانس داخل الدولة، ولكل مجتمعٍ نظامه وطائفته وثقافته، بما يعزّز فكرة الفيدرالية، وبشكل مقنّع، وقابل للقوننة والتطبيق الكلي. وقد وضع ذلك النظام بنية تعزيز الانقسام الداخلي في المجتمع اللبناني، وإبقائه مشغولاً بنفسه، مما يعزّز قوة إسرائيل، ويساعد على فرض هيمنتها في المنطقة، ويُظهر تفوقها في نظامها السياسي والاجتماعي والعسكري والتكنولوجي، حتى وصلنا اليوم إلى مرحلة متدهورة من الانقسام، لدرجة أصبح فيها مفهوم التعامل معهم مجرد وجهة نظر، وليس خيانة، كما ثبت عن بعض الأفرقاء السياسيين، وبأدلة واضحة، كما حدث في الآونة الأخيرة.

التشخيص والعلاج
إن لبنان اليوم يعاني من عدة نكسات، منها الأزمة الاقتصادية والنقدية والهندسة المالية, لكن هل السبب يعود إلى أزمة نظام أم أزمة حكم؟

في هذه الفترة الصعبة، كل الأنظار والتحركات متجهة نحو مصرف لبنان، معتبرين أنه أصل البلاء، وسبب المصيبة التي أدت إلى تهاوي العملة الوطنية مقارنة بالدولار الأميركي.

ذلك هو جزء من المشكلة, فواحدة من المشاكل الأساسية أن المصرف قام بإعطاء دولة مفلسة أموال المودعين بفوائد عالية، بالإضافة إلى سندات اليوروبوند، ذات الفوائد الأعلى عالمياً، وبقيمة ١٥%، ويعتبر لبنان الأول عربياً والثالث عالمياً، من حيث حجم الديون مقارنة مع الناتج المحلي, ورغم هذه السياسة الخاطئة من قبل البنك المركزي, إلا أن الجوهر الأساسي يكمن في فساد النظام بحد ذاته.

الواقع أليم وصعب، إنما علينا أن نقرأه بشكل عميق, فكيف لبلد تعداده ٤ ملايين نسمة تقريباً، و عدد موظفي القطاع العام فيه قرابة ٣٥٠ ألف موظف؟! أي ٩% من عدد السكان!

كيف لدولة مثل لبنان في برلمانه ١٢٨ نائباً، ل ٤ ملايين نسمة، فيما مساحته تزيد قليلاً عن ١٠ آلاف كيلومتر، في الوقت الذي نرى فيه أن الولايات المتحدة الأميركية، التي تبلغ مساحتها ٩ ملايين كيلومتر مربع أي ما يعادل ٩٠٠ مرة من مساحة لبنان، في مجلس شيوخها ٤٣٥ نائباً و ١٠٠ شيخ؟!

كيف لدولة اقتصادها ريعي، وليس فيها أي مورد طبيعي، أن تدفع رواتب نواب و وزراء سابقين، وتعويضات لضباط بمئات الملايين؟!

كيف لدولة مثل لبنان فيها ٢٠ وزارة، بينما في سويسرا  ٨ وزراء فقط؟!

كيف لدولة أن تُقرّ سلسلة الرتب والرواتب في وقت الانهيار؟!

كيف لدولة غارقة في الأزمات، تسمح أن يتم تصدير مليارات الدولارات إلى النظام السوري، و تحويل المليارات إلى خارج لبنان دون أي محاسبة؟!

خلاصة الكلام، إننا نستطيع القول إن الأزمة هي أزمة نظام، واللوم ليس فقط على حسان دياب، الذي جاء حتى يذكر التاريخ أنه كان رئيس حكومة، لأن التاريخ سيذكر أيضاً أنه رئيس سقطت الدولة في عهده.



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط



البحث عن «دو كليرك»

سمير عطا الله

السعودية دولة أفعال

مشعل السديري

رأي في عقول معاصرة!

محمد الرميحي