خاص أيوب


طارق المجذوب: وزير أكبر من حكومة

الأربعاء 22 كانون الثاني 2020 - 18:25

كتب (هشام عليوان) 

قد يكون أبلغ مثال على ارتباك التشكيلة الحكومية المفترض بها أن تكون تكنوقراطية، تعيين الدكتور طارق المجذوب وزيراً للتربية، وهو المهندس المهتم بمشكلة المياه في لبنان والشرق الأوسط قانونياً وسياسياً واستراتيجياً، والقاضي في مجلس شورى الدولة، والباحث المتبحّر صاحب التآليف المهمة في القانون الإداري، لا سيما كتابه المرجع الإدارة العامة، العملية الإدارية والوظيفة العامة والإصلاح الإداري (935 صفحة). في حالة كهذه، أمام شخص موهوب متعدد الاختصاصات والاهتمامات، كان الأليق والأجدى أن يكون وزير دولة لمكافحة الفساد، بوصفه قاضياً، وهو ما تطالب به الثورة، أي أن يتولى القضاء ملف الفساد السياسي في منبعه ومآله، أو أن يكون رئيس الحكومة قاضياً، أو في أقل تقدير أن يتولى قاضٍ وزارة بهذا المعنى. أو أن يكون وزير دولة لشؤون الإصلاح الإداري وهو المتعمّق في هذا المجال، أو حتى أن يكون وزيراً للطاقة لكونه مهندساً وخبيراً في الأحكام الدولية المتعلقة بالمياه. لكن كل هذه المؤهلات، تجاوزها الرئيس دياب، وجاء به وزيراً للتربية، أي في الموقع الوزاري الذي استلمه في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011. فهل لهذا دلالة معينة، أي حنين دياب إلى وزارته الأولى فآثر بها من اختاره وأصرّ عليه حتى النهاية، بحسب ما تردد في وسائل الإعلام أثناء التشكيل، أو هذا محض مصادفة ترتبط بحصة أهل السنة في الحكومة الحالية، ونوع الوزارة التي يقع الاختيار عليها في العادة؟ 

على صعيد مختلف، فإن كل الوزراء التكنوقراطيين في حكومة حسان دياب نُشرت لهم سيرة ذاتية موسعة، عن مؤهلاتهم العلمية وخبراتهم العملية. وحده الدكتور طارق المجذوب لم يُنشر عنه شيء في مواقع إلكترونية كبرى أو ما يشبه اللاشيء، في مواقع أخرى، وفي الصحف، اكتفاء بهذه العبارة وكأنها برقية مستعجلة: "من مواليد مدينة صيدا. قاضٍ في مجلس شورى الدولة. مستشار في عدد من الإدارات. أستاذ محاضر في عدد من الجامعات". وإذا كان الاقتضاب غير المقصود طبعاً من طرف الإعلام، إجحافاً به، لكنه هو مؤشر قوي على خصيصة فيه، هي التواضع. ولعله ورث التواضع من والده القانوني الكبير الدكتور محمد المجذوب، الذي كان عميداً لكلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، ووصل إلى رئاسة الجامعة اللبنانية، وعضواً في المجلس الدستوري، إضافة إلى موقعه الأكاديمي المميز في جامعة بيروت العربية إلى حين وفاته.

لقد حظيتُ بفرصة اللقاء بطالب الدراسات العليا فرع القانون العام في الجامعة اللبنانية الفرع الأول بمنطقة الصنائع، طارق المجذوب بين عامي 1989 و1990، عندما كان والده عميداً. وعلمتُ في ذلك الحين، أنه كان يدرس الهندسة والقانون في وقت واحد. ومع أنه كان نجل العميد ملقياً علينا محاضرته في القانون الدولي إلا أن طارق كان يجلس معنا كسائر الزملاء، مع تواضع جمّ ودماثة خلق، وتبسّط في الكلام، وشبهه بوالده خَلقاً وخُلُقاً، والاهتمام بالثقافة العامة، وبالشأن السياسي، ولا سيما بقضايا الأمة وعلى رأسها فلسطين. ومع تفرّق دروب الحياة، ودخوله معترك القضاء، حافظ الدكتور طارق على علاقة الودّ والتواصل، مع أن زمالتنا لم تستمر سوى أشهر. وربما كان يأمل أن يكون مختصاً بمشكلة المياه من النواحي التقنية والقانونية، نهاية القرن العشرين عندما درجت موضة التحذير من ندرة المياه في المنطقة، ومن أن تكون مصدراً إضافياً للحروب، فصدر له عام 1998 كتابه لا أحد يشرب، مشاريع المياه في استراتيجية إسرائيل، وعزّز الفكرة بسلسلة مقالات في الصحافة العربية. لكنه حين انتقل إلى سلك القضاء، انكبّ على القانون الإداري باحثاً ومنقبّاً فألف منفرداً ومشاركاً في هذا المجال.

والسؤال الطبيعي في هذا السياق، هو هل انضمام الدكتور المجذوب إلى حكومة حسان دياب نعمة عليه أم نقمة، فرصة أم مأزق؟ لا شك أن دخوله إليها قيمة إضافية، وإن كان ذلك قد تمّ، في مرحلة صعبة جداً، ووفق خيارات محدودة جداً، ووسط صراع محتدم بين سلطة وشعب، بين المؤسسات الرسمية وحراكات الشارع. في كل الأحوال، يُنتظر كثير من العمل من وزير التربية طارق المجذوب، وقليل جداً من الكلام والظهور، فهذا مسار قد ابتدأ، وقد يكون له شأن آخر.

: خاص (أيوب)



جميع المقالات تمثل رأي كتابها فقط

أخبار ذات صلة